“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
كنت عاملة حسابي إن هيبقى في تحديات، متوقعة أي تصرف هشوفه وأي سلوك غريب، السؤال بقى هل هم هيتوقعوني؟
أنا مدرسة تاريخ، بقالي في مجال التدريس 11 سنة، اتنقلت ما بين مدارس كتير وكل مرة بيبقى ليا نفس التأثير على الطلبة، بشوف على وشوشهم الذهول والانبهار والرغبة إنهم يسمعوا أكتر عن القصص اللي عندي، وده لإني مش مدرسة تاريخ عادية، مش بدرس بنفس الطريقة الروتينية المملة المعتادة، أو بمعنى أصح مش بدرس على الإطلاق، أنا بحكي، ولو الطلبة فاكرين إني هكتفي بإني أديلهم المنهج اللي جوه الكتاب فهم غلطانين، مهمتي مش إني أدرس مناهج متقيدة بشوية ورق، مهمتي أحكيلهم تاريخ عمرهم ما عرفوه ولا هيعرفوه إلا عن طريقي…
واللي توقعته لقيته…
أول يوم ليا في المدرسة الجديدة استلمت الفصل بتاعي، 3 إعدادي والطلبة عملولي استقبال محترم…
الولاد في السن ده بيبقى عندهم خلل بسبب الزحمة اللي ف راسهم، زحمة الأفكار وأزمة الهوية. مش بيبقوا عارفين يحددوا موقعهم ودورهم في الحياة كلها… من سنة واحدة بس كانت أقصى اهتمامتهم إنهم يعدوا السنة الدراسية على خير ويروحوا تمارينهم الرياضية في مواعيدها، يوضبوا أوضهم ويظبطوا خروجاتهم ، هوب فجأة بقى في كلام كتير عن مرحلة اسمها ثانوية جايه ف ديل المرحلة اللي هم فيها، والمرحلة دي المفروض هتحدد مستقبلهم كله ولازم يكبروا بسرعة ويبقوا قد المسؤولية وأي غلطة أو تهاون أو استهتار ممكن يضيع سنين كتير من عمرهم عبال ما يتعافوا ويحاولوا يبقوا مبدعين ويلاقوا مجال تاني يثبتوا فيه نفسهم وينجحوا في غير المجالات اللي بتفرضها الشهادات الجامعية. وطبعًا انعكاس ده على نفسيتهم حدث ولا حرج، بيبقوا عاملين زي القنبلة الموقوتة اللي مستعدة تنفجر ف أي لحظة وف وش أي حد من غير تمييز، علطول متوترين وطباعهم حادة وعايزين اللي حواليهم يبقوا ف نفس حالتهم، الكل يبقى متعكنن.
وده يفسر معاملتهم القاسية للمدرسين وعدم استجابتهم ليهم ويفسر برضه اللي عملوه معايا ف أول يوم….
كل اتنين أو تلاتة كانوا بيتكلموا مع بعض وكتير مديين للسبورة ضهرهم ولما دخلت السكوت سيطر على المكان. كلهم بصولي وبعدين رجعوا للي كانوا فيه ولا كإن!
قرروا يعاملوني كإني مش موجودة.. عليت صوتي وأنا بقول:
=السلام عليكم أنا إسمي “هايدي”..
برضه مفيش إستجابة، متهيألي مهما كنت عليت صوتي ولا زعقت ولا حتى اتشعبطت ف الحيط محدش كان هيعبرني. مشيت لحد الكرسي بتاعي ولولا إن عيني وقعت عليه قبل ما أقعد كان زمان في عدد لا بأس به من الناس متجمعين حواليا بيحاولوا يخلصوني من الغرا اللي لازقة فيه… أيوه، الطلبة حطولي غرا على الكرسي عشان لما أقعد الهدوم تلزق ومعرفش أتحرك وأعاني من آلام بشعة. هو ده كان شعورهم تجاهي…
=قديمة أوي!
كلهم انتبهوا ليا لما قلت الجملة دي، مش بس عشان اللي قلته، عشان عرفوا إني كشفت الخدعة بتاعتهم، كده كده كانوا هينتبهوا ليا في المرحلة دي، يراقبوني وأنا بقعد على الكرسي ويضحكوا بأعلى صوت ويستمتعوا بعذابي، لكن ده محصلش، خيبت ظنونهم..
=قديمة أوي خدعة الغرا دي، فين الإبداع؟ أنا أعرف ناس عملوا تحف فنية، مصايد لناس تانية عشان يتسلوا، زي التابوت الحديدي، التابوت كان محطوط فيه مسامير طويلة في مواضع معينة بحيث إن الأعضاء الحيوية للشخص اللي هيتحط في التابوت زي القلب أو الرئة المسامير متخترقهمش، وده لزيادة وقت المتعة عشان الضحية ميموتش بسهولة، يفضل يتلوى من الألم، المسامير تنحت ف جسمه ويبقى زي الغربال، ومش بس كده، دول عملوا حسابهم كمان على العذاب النفسي، بطنوا التابوت من جوه بخشب الفلين اللي بيعزل الصوت والضوء بحيث إن الضحية كمان ميقدرش يشوف أو يسمع أي حاجة بره التابوت، ينعزل عن الدنيا. العقل المدبر العبقري كان إسمه “محاكم التفتيش”…
-دي مش عبقرية ولا حاجة ممتعة، ده مرض!
ابتسمت بهدوء وبصيت ف اتجاه الطالب اللي زعق بالتعليق ده. قلت:
=أنت شايف كده؟ شايف إن دي مش حاجة حلوة ولا اللي عملوا كده عباقرة؟
-لأ طبعًا، دي حاجة مقرفة.
=ومهينة؟
-نعم؟
=مهينة، شايف إنها حاجة مهينة للكرامة الإنسانية؟
-أيوه طبعًا.
=ودول بقى فرقوا إيه عنكم؟ شوية الغرا اللي حطتوه على الكرسي وكنت هقعد عليه وبسببه كنت هتألم وهحس بالإحراج والإهانة، اللعبة الظريفة دي مش ممكن تقتل إنسان معنويًا ويبقى زيه زي ضحية التابوت الحديدي؟
باااس كده، أدركت إني خلاص أخدت اهتمامهم، ف ثانية وعيهم ودماغهم بقوا ملكي، أقدر اشكلهم زي ما أنا عايزه.
=زي ما قلتلكم قبل كده ويمكن مسمعتونيش كويس. أنا اسمي “هايدي” مدرسة التاريخ الجديدة بتاعتكم، أنا المدرسة اللي مش هتتبدل ولا هتطفش، وهتكمل معاكم السنة كلها ويمكن لبقية العمر….
تلقائيًا قعدوا ف أماكنهم، اللي كان واقف قعد واللي قاعد على السنادة بتاعة التختة رجع على الكرسي وسند ضهره. العيون كلها اتشعلقت بيا…
=بصوا بقى، التاريخ اللي في الكتاب بتاعكم هشربهولكم، مفيش حد فيكم مش هيخرج من الترم إلا وحافظه زي إسمه وكلكم هتجيبوا الدرجة النهائية فمتقلقوش على المنهج والامتحانات، بس ده هيبقى جزء من حصصي، الجزء التاني والأهم بالنسبة لي هو اللي بره المنهج واللي مش هتسمعوه من حد غيري. السؤال بقى هل إنتم مستعدين للي عندي ولا بتخافوا؟
-مستعدين!
كلهم جاوبوا ف نفس الوقت بنفس الحماس. ضحكتلهم وقلت:
=عندي قصة حصلت من أكتر من 30 سنة، مشكلتها حاجة واحدة، اللي فيكم بيحب الملاهي احتمال يغير رأيه وميقدرش يدخلها تاني…
الكل أجمعوا إنهم عايزين يسمعوا الحكاية ومستعدين ليها. بعدها بدأت أحكي:
=القصة حصلت سنة 1990 في ملاهي ف مكان مهجور قرب مطار القاهرة. الملاهي عمومًا في الوقت ده كانت بدائية حبتين أشبه بمراجيح المولد، مكنش في لعب فيها التقنبات الرهيبة بتاعة دلوقتي، مفيش لعبة مثلًا هطلعك ف سابع سما وتنزلك سابع أرض ولا لعبة هتلف بالكرسي اللي أنت قاعد عليه زي الخلاط ولا سيميولاتر ولا محاكاة ولا أي حاجة من دول، بس كان في حاجة تانية، بيت الرعب، هي دي من الآخر اللعبة الوحيدة اللي كانت شيقة، بيت الرعب ده كان بيبقى عبارة عن مكان واسع مقفول مضلم، في شوية أنوار بسيطة، حمرة وصفرة، أضواء خافتة كده، وحبة مؤثرات كتير…
في البداية بيبقى فيه صف عربيات صغيرة شبه عربيات المناجم، العربيات متصلة ببعضها، كل عربية فيها مقعدين. لما اللعبة بتشتغل العربيات بتبدأ تمشي بطيء على قضبان وتدخل القاعة الواسعة. جوه بقى بيبقى في مراحل، كل مرحلة بشخصيات وتأثيرات مختلفة، مثلًا تظهر جماجم وهياكل عظمية، مهرج معاه سكينة بتنزل منها نقط دم، ناس بتصرخ، سفاحين، عفاريت، ساحرات، ضفادغ، كده يعني، واللعبة بتتطور حسب أفلام الرعب والحوادث الرائجة. يعني لو في سلسلة أفلام عن ديناصورات، إدارة الملاهي بتعمل مجسمات لديناصورات بأصوات عالية مزعجة، لو في كلام عن حيوان ضاري بيروع الناس، يعملوا مجسم للحيوان ده من وصف الناس، لو في كلام عن النداهة يعملوا مجسم لست شكلها مخيف بتردد أسماء مختلفة بصوت واطي حاد وهكذا…
الناس كانت بتروح الملاهي مخصوص عشان اللعبة دي، كبار وصغيرين… في حاجة تانية ملفتة في الملاهي غير بيت الرعب، المدخل…
المدخل تصميمه كان مزعج ومرعب ويشد جدًا، كان عبارة عن وش ضخم بخدود حمرة وشعر أكرت، مش معروف دي شخصية إيه ولا إيه اللي أوحى لإدارة الملاهي والمهندسين عشان ينفذوا الفكرة دي. في النهار الوش شكله كان ملفت ومش مريح، بليل بقى أي حد حتى معدي بعربيته من بعيد ممكن يجيله سكتة قلبية، مع اللمض الخفيفة اللي بتنور جوه الوش.
ف يوم معين في أسرة مكونة من أربع أفراد قرروا يقضوا يوم اجازتهم في الملاهي، أب وأم وولدين وطبعًا بيت الرعب هو كان كريزة اليوم ومن غيره الملاهي ملهاش لازمة. وقرروا يختموا باللعبة دي. قضوا اليوم ما بين مراجيح وزحاليق وألعاب تانية وآخر محطة كانت بيت الرعب…
الأم كانت دايخة شوية فقررت متدخلش معاهم اللعبة. الأب كان هيقعد جنب ولد والولد التاني هيقعد مع حد غريب ف مقصورة أو عربية تانية. الطابور كان طوييييل وده طبيعي ومتوقع، دي أشهر لعبة هناك وعلى مستوى الملاهي كلها ف وقتها، والأم لما شافت كده قالت لهم إنها هتجيبلهم شوية حلويات وتسالي يتسلوا عليها عبال ما ييجي عليهم الدور. وفعلًا انسحبت. مكنتش تعرف إن ده هيكون اللقاء الأخير….
لما رجعت بالحاجة لقت الطابور مشي ولمحتهم وهم داخلين.. الإبن الصغير اللي كانت عنده 6 سنين لف وبصلها، ابتسم ابتسامة واسعة وبعدين بص قدامه وصف العربيات اتحرك للنفق المظلم…
بعد 4 دقايق بالظبط الأم بدأت تسمع أصوات عالية. الصريخ كان معتاد في اللعبة دي مش حاجة غريبة يعني، لكن الصريخ ده كان مختلف، مفيهوش تحمس ولا متعة، يعني الصريخ في الملاهي واللعب بيبقى مزيج ما بين خضة وضحك وتحمس للعبة، لكن ده كان حاجة تانية….
ده كان صريخ هلع، الناس كانت مصدومة ومرعوبة، في حاجة بشعة بتحصل.. الناس اللي ف محيط اللعبة من بره شافوا دخان إسود خارج منها، دخان كثيف مركز، شكله وريحته مزعجين، ممكن مثلًا ده يكون من مؤثرات اللعبة؟ لكن لأ، صريخ الناس اللي جوه اللعبة وإستنجاداتهم بينفوا ده.. ده غير إن المؤثرات مش قوية لدرجة إنها تتعدى حدود بيت الرعب نفسه.
في وقت قليل المتفرجين من بره حصلوا على إجاباتهم….
ناس كتير خرجوا وهم بيجروا من اللعبة والدخان ومعاه لهيب بدأوا ينتشروا في المساحات اللي حوالين اللعبة، كان حريق….
في عربيات خرجت وهي مولعة مع نفسها من المسار واللعبة كلها.
الناس جوه لما أدركوا وجود حريق كان قدامهم حاجة من اتنين يا يفضلوا في العربيات لحد المخرج بعدين يجروا يأما ينزلوا من العربيات ويجروا على رجليهم لحد المخرج ويكملوا هروب بره، والحمد لله إنهم عملوا الاختيار التاني.
المطافي وصلت ف وقت قليل وعلطول بدأوا يطفوا النار بخراطيم الميه الضخمة. الحريق اتطفى وكان واضح إن مفيش خساير بشرية، اللعبة هي اللي اتفحمت بكل اللي فيها.
كان في تماثيل ومجسمات كتير وكلها متفحمة.. رجال المطافي كانوا ماسكين الكشافات بتاعتهم وهم ماشيين جوه اللعبة اللي بقت عبارة عن ضلمة وحطام، اتخبطوا في المجسمات المحروقة وكان من ضمنهم 7 مجسمات بعد الفحص اتضح إنهم مختلفين عن باقي المجسمات، اتضح إنهم مش تماثيل، دول بني آدمين!
7 أشخاص منجيوش، والاستنتاج المبدئي إن كل الناس هربت طلع غلط، ما بين السبعة الأب والولدين اللي أمهم كانت مستنياهم بالتسالي بره اللعبة. أما الأربعة التانيين فاتعرفوا من قبل التشريح حتى ، عشان كان في واحد بيدور عليهم وملاقهمش وسط الناس اللي خرجت، الأربعة أصحايه والمفروض إنه كان هيبقى معاهم في اللعبة…
اللي حصل إن ال5 كانوا داخلين مع بعض، 2 ركبوا جنب بعض، والاتنين التانيين جنب بعض في عربيتين وهو كان هيركب جنب حد غريب، لكنه اتراجع في آخر لحظة عشان شاف إن الموضوع مش هيبقى ممتع طالما مش هيبقى جنب حد من صحايه وقرر يستناهم وبعدين يا يدخل الدور اللي بعديه يا يروحوا لعبة تانية.
تخيلوا لو كان ركب؟ متخيلين إن قرار لحظي زي ده يفرق في مصير الواحد إزاي؟ زي ملك وكتابة كده، لو ملك هيبقى فوق القبر بيدفن صحابه ولو كتابة هيبقى تحتيه…
-لكن في الحقيقة مفيش حاجة اسمها ملك وكتابة، ده قدر مكتوب، مفيش حاجة صدفة.
كنت عايز أقوم أحضن الطالبة اللي قالت التعليق ده. فعلًا العين بتشوف السطح وبس، جوه الولاد كان أكتر من مظهرهم اللي بيقول إنهم مش مهتمين وباردين ومؤذيين، جواهم فلسفة عميقة وتعاطف..
فهمتهم طبعًا إني مكنش قصدي إن اللي بيحصل ف حياتنا هو مجرد صدفة. كان مجرد تعبير وكنت بحكي من وجهة نظرنا كبني آدمين بناخد قرارات بناء على أسباب سطحية تافهة، زي الولد، اللي كان ساعتها عنده 15 سنة، و مركبش العربية عشان مفيش حد من أصحابه هيبقى جنبه.
كملت الحكاية وقلت:
=أكيد الناس اللي نجيت وهم الأغلبية كانوا ف حالة صدمة، مهزوزين، الرعب اللي عاشوه ميتوصفش عشان كده كان صعب التحقيق معاهم يومها…
-وتحقيق ليه؟ دي مش جريمة قتل…
الشرطة كان عندهم قائمة بالناس اللي دخلوا الدور المشؤوم وبدأوا يحققوا معاهم في الأيام اللي بعد كده. طبعًا وزي ما أنتم أكيد متوقعين، أغلب الناس شهادتهم مكنش ليها لازمة، عشان الذاكرة بتاعتهم كانت أكيد مشوشة ، المفاجأة والخوف خلاهم مش مركزين ف حاجة إلا محاولة النجاة.
-حضرتك قلتي أغلب؟
بصيت للولد بإعجاب وسألته:
=مقولتليش اسمك إيه؟
-صحيح، حضرتك مسألتيناش عن أسامينا أول ما دخلتي زي ما كل المدرسين بيعملوا ف أول حصة.
=وهو أنا زي كل المدرسين؟ اسمك إيه بقى؟
-نيروز.
=كنت بتقول إيه؟
-حضرتك قلتي الأغلب كانوا مشوشين، معنى كده…
=معناه إن في اتنين ، اتنين بس كانوا مختلفين عن الكل… يعجبني إنك مركز يا “نيروز”. الاتنين دول قالوا كلام غريب جدًا. الأولى إسمها “هند”.. “هند” كانت قاعدة جنب أختها وكانوا منبهرين ومتحمسين زي الباقي، لحد ما لفت انتباهها تفصيلة صغيرة عجيبة.. من ضمن العروض، كانت دفاية، دفاية مزيفة يعني، وخارج منها لهيب برضه مزيف، مؤثرات وأضواء، مش نار حقيقية… لحد كده عادي، لكن اللي مش عادي إن دي أول مرة “هند” كانت تحس إن اللهيب حقيقي أوي… زي ما قلتلكم، في الوقت ده الدنيا كانت بدائية في الألعاب والمؤثرات، مكنش في ثري دي يعني أو تقنيات عالية فإزاي كانت النار اللي خارجة من الدفاية شكلها حقيقي كده؟!.. “هند” قالت الملاحظة دي لأختها. أختها اتريقت عليها وقالت لها إنها متوهمة، وبحركة تلقائية “هند” مدت إيديها لما بقوا جنب الدفاية بالظبط وحست بحرارة رهيبة لدرجة إنها سحبت دراعها. أما الشخص التاني فقال كلام شبه كده بس زود حته. التاني كان إسمه “أمين” وجنبه كان واحد صاحبه. “أمين” برضه حس إن الدفاية شكلها غريب والنار زي ما تكون حقيقية ومع ده شم ريحة كيروسين! العربية اللي كان فيها عدت من جنب الدفاية وبعدها عربيتين بس والنار بدأت تعلى…الشهادات دي كانت مهمة أوي، كده بالتأكيد المصدر كان الدفاية وبالتأكيد النار حصلت بفعل فاعل مش زي ما كانوا فاكرين في الأول، إنه مجرد ماس كهربائي. في حد دلق كيروسين في الدفاية وولع نار عشان يحول المؤثرات المزيفة لكابوس حقيقي…
-ده شخص سادي بجد! عشان مش مجرد عمل حريق،ده استخدم لعبة فيها نار مزيفة وخلاها مصدر النار الحقيقية.
=وأنت تعرف يعني إيه “سادي” يا “نيروز”؟
-أيوه، اللي زي الشخص ده بالظبط.
=وأنا متفقة معاك، الطريقة كانت شيطانية بجد، زي ما يكون كان بيستمتع بالعرض، مش مجرد عايز يأذي..أول مشتبه فيه لما الشرطة اتأكدوا إن الحريق مفتعل كان “ممدوح العزيزي”.. “ممدوح” في الظاهر كان رجل أعمال لكن كان معروف إن نشاطاته عبارة عن غسيل أموال وإنه أصلًا تاجر مخدرات كبير وشرس، معروف إنه سفاح، كل مكان يروحه الدم بيسيل فيه شلالات، معندوش رحمة ولا تهاون، وبيعشق الفلوس، لكن للأسف كان حاد الذكاء وأي نشاط مش قانوني كان بيصدر فيه ناس تانيين، متمسكش عليه حاجة. “ممدوح” كان عايز يشتري الملاهي دي ويضمها لأملاكه وده قبل الحادثة بسنة واحدة، لكن المالك مرضاش يبيعهاله وطبعًا “ممدوح” هاج وتوعد صاحب الملاهي بمصايب سودة. “هيثم” برغم تمسكه بموقفه والمظهر الثابت إلا إنه كان مرعوب وكل يوم يستنى تنفيذ تهديد “ممدوح”. لكن السؤال هو إذا كان “ممدوح” هو اللي ورا الحريقة، هيستفاد إيه؟ ملكية الملاهي مش هتتنقل ليه بالشكل ده…
واحدة من الطالبات علقت:
-ما هو واضح من كلام حضرتك إنه شخص إنتقامي، مش شرط يكون هيستفيد بشكل مادي لكنه ف باله إنه هيخسر “هيثم” صاحب الملاهي وهيخرب بيته.
=صح، برافو، صح جدًا، لولا ظهور ناس تانية على ساحة الجريمة! مش كل الشهود كانوا جوه اللعبة، في ناس براها قالوا كلام مرعب…يومها مكنش في مهرجان أو عروض، مفيش حاجة تبرر وجود عدد من الأشخاص لابسين زي موحد…شكلهم كإنهم كانوا ف حفلة تنكرية، الأزياء مكنتش مريحة أبدًا، في منهم لابسين أرواب لونها أبيض وعلى وشوشهم أقنعة لحيوان ما أشبه بالمعيز ، الأقتعة غطت وشوشهم بالكامل وملامحهم مكنتش باينة، وفي لابسين أرواب برضه لكن على رؤوسهم قناع من القماش زي القرطاس طويل ومدبب وفي شرطتين مكان العيون عشان يقدروا يشوفوا من خلالهم، كان عددهم ما بين 10 و12 شخص، كانوا كمان ماشيين مع بعض بالعرض بنمط وخطوات معينة ولما الحريقة حصلت وقفوا على مسافة من اللعبة وراقبوا المشهد والناس اللي بتخرج منها، ورد فعلهم مكنش زي الباقيين، يعني كل الناس كانت بتصرخ وبتتحرك بشكل عشوائي، اللي رايح على اللعبة عشان يحاول يعمل حاجة واللي بيهرب، لكن دول كانوا واقفين بثبات، زي ما يكونوا بيتفرجوا على شو، وكلهم كانوا منزلين إيديهم وحاطين الإيدين الاتنين على بعض.
-معلش ممكن أقاطع حضرتك؟
=اتفضل.
-يعني مشهد ملفت زي ده، ناس بالتصرفات الغريبة دي، إزاي محدش وقفهم أو مسكهم لما الحريقة حصلت؟
=يمسكوا مين، هو حد كان فايق؟! الحريقة خلت الناس كلها ملهية ومش على بعضها، الوصف والتفاصيل دول اتقالوا بعد الحادثة بيوم أو اتنين، وقت المصيبة محدش بيبقى فايق ولا مركز ولا قادر ياخد قرارات رزينة.
وللأسف، للأسف المجموعة دي متمسكتش ولا اتعرفوا هم مين أصلًا وتبع إيه. مصر ساعتها مكنتش على وعي بالأزياء دي وغرضها، متعاملناش مع حاجة زي دي قبل كده، على الأقل بشكل معروف وواضح للكل…
يتبع
“الجزء الثاني والأخير”
الملاهي كلها اتقفلت 6 شهور كاملين واتفتحت تاني بعد إعادة ترميم لعبة الموت. صحيح “هيثم” عانى من خساير كبيرة، خساير مادية وخساير معنوية، مش بس عشان الفضيحة واتهامه بالإهمال (برغم نتايج التحقيقات اللي وضحت إن اللي حصل بفعل فاعل) لكنه هو نفسه اتضرر نفسيًا جدًا، “هيثم” مكنش رجل أعمال عديم الإحساس والقلب، بالعكس كان راجل متعاطف، طيب وحساس، لكن عجلة الحياة كان لازم تستمر وده اللي خلاه يرمم اللعبة ويعيد افتتاح الملاهي..والمفاجأة بقى إن “ممدوح” رجل الأعمال الشرس أبو نشاطات مش تمام ظهر بعد الحادثة وعرض على “هيثم” يساعده بأي طريقة وكمان يسلفه فلوس ترميم اللعبة.. أهو طلع في النهاية عنده جانب كويس، مش كله شر يعني، وأكيد مش هو اللي اتسبب في الحريق.
لكن اللعبة عمرها ما رجعت زي الأول…
مفيش حاجة بترجع زي الأول، وواضح إن ده مش بس بينطبق على المشاعر والعلاقات والناس، دي كمان الأماكن اللي شهدت حادثة شنيعة أو ألم ومشاعر سلبية. اللعبة بقت مسكونة….
مبقاش مجاز “بيت الرعب” بقى حقيقي بيت رعب…
ناس كتير من اللي دخلوا اللعبة قالوا قصص مختلفة، في اللي قالوا إنهم كانوا راكبين لوحدهم، يعني العربية اللي فيها كرسيين المفروض حد يبقى ف كرسي والكرسي التاني فاضي لكن بعد شوية، الشخص اللي راكب لوحده كان بيحس بوجود، حد قاعد جنبه، أنفاسه عالية وسريعة، وفي حكى إنه شاف عيون حمرة لما الدنيا بقت ضلمة، عيون للشخص الغامض اللي قاعد في الكرسي الفاضي!
ومن وقت للتاني الدفاية اللي أصلًا مبقتش موجودة بتظهر وبيخرج منها لهيب بيفضل يعلى ويعلى وبعدين يختفي مع الدفاية نفسها، ده غير الفوضى والهرجلة اللي بتحصل مرة واحدة، حركة كتيرة، جري وخطوات سريعة، مع إن اللعبة بتبقى فاضية، المفروض يعني! وأكتر وقت مرعب بيبقى بداية من الساعة 8 وتلت بليل، وقت اندلاع الحريق في الحادثة الأصلية!
اللي بيدخل الوقت ده أو بعده بيشوف جوه مجسمات لابسه أقنعة على شكل معيز سودة، المشكلة إنها زي ما تكون مش أقنعة، مش ملبوسة، شكلها حقيقي، وشوش معيز بجد، وفي مجسمات تانية بتظهر، مجسمات متفحمة، 7 مجسمات بيظهروا وره بعض، الرقم مش بيفكركوا بحاجة؟
المصيبة بقى إن لا في تماثيل محطوطة في اللعبة بوشوش معيز ولا في مجسمات محروقة…
أفراد الأمن اشتكوا لإدارة الملاهي من الحاجات اللي بيشوفوها والأصوات اللي بيسمعوها كل ما الليل يغوط، كل مدى الأصوات بتبقى عنيفة أكتر والخيالات بتزيد حوالين اللعبة وطالبوا بإن اللعبة تقفل في معاد بدري شوية، يكون آخر دور على 8 مثلًا وإن محدش يبقى واقف لوحده بيحرس قرب اللعبة. للأسف الإدارة مقدروش ينفذوا طلبهم فيما يتعلق بموضوع المواعيد وده لإن الإقبال على اللعبة زاد بشكل رهيب، كل الحكاوي عن الأشباح والظواهر الغريبة خلت المكان جذاب أكتر والناس بقت تيجي بأعداد كبيرة لكن زودوا الحراسة عشان الونس وعشان لو فرد أمن حس بالخوف يبقى معاه حد يطمنه، يبقوا في الهوا سوا يعني.
تعرفوا مين هو “بافوميت”؟
“كلهم هزوا رؤوسهم بالنفي”.. كملت كلامي:
=بافوميت هي تسمية لكل حاجة شيطانية أو بالأصح التجسد البشري للشيطان واتذكر المصطلح في كتب السحر واشهرهم كتاب لكاتب فرنساوي، جوه الكتاب كان في رسمة مميزة لراجل متربع، عنده راس معزة ولحية معزة وجسم انثوي وقرنين على راسه ما بينهم شعلة وعلى أورته نجمة خماسية، وإيد من إيديه شكلها أنثوي والإيد التاني شكلها رجولي. وده تجسد الشيطان في صورة بشر ومعاه حيوان.
في مجموعة من البشر زمان قدسوا الرمز ده، حاشا لله، منهم فرسان الهيكل وناس انضمت لكنيسة الشيطان. “بافوميت” برضه بيرمز للتحرر، التحرر بشكل عام، ممكن التحرر من القيود، من الضمير، من المبادئ والإنسانية. يعني مثلًا جوه الأماكن اللي الطائفة دي بيتجمعوا فيها وبيعملوا طقوسهم في ممارسات بتبقى متطرفة شوية، بيقدموا قرابين لبافوميت، القرابين عبارة عن بني آدمين، بيدبحوهم وبياكلوا لحومهم لإنهم مؤمنين إن الألم اللي بيتعرض ليه الضحايا بيزيد من قدراتهم على ممارسة السحر الإسود وبيحتاجوا يتقربوا من بافوميت أو الشيطان وده بيحتاج لطاقة سلبية كبيرة ممكن الحصول عليها من الطقوس الشيطانية دي اللي بتتضمن قتل ودم كتير ورعب وألم.
“نيروز” قال بتحمس:
-ثواني، الوصف بتاع رسمة بافوميت، راس المعزة…
=ماله يا “نيروز”؟
-الأقنعة اللي الأشخاص الغريبة كانوا لابسينها كانت على شكل معزة!
=مظبوط.
-والرمز ف راسه قرنين ما بينهم شعلة…
=أيوه.
-وعشان التقرب من بافوميت اللي بيتبعوه لازم يقدموا قرابين بشرية.
=عايز توصل لإيه يا “نيروز”؟
-دول كانوا عبدة شيطان والحريق اللي في اللعبة كان طقس والناس، بالذات الأطفال كانوا تضحيات بشرية!
=هنوصل للجزء ده قريب… الوضع استمر على ما هو عليه لأربع سنين بعدها الإقبال على اللعبة والملاهي كلها قل، مش عشان قصة الحريق والأموات والأشباح، زي ما قلتلكم الناس توافدت أكتر بسبب ده، لكن عشان بشكل عام الملاهي مبقتش رائجة، بصوا عيب الملاهي ، أي ملاهي إنها فجأة بتبقى تريند، كل الناس بتتكلم عنها وبتبلغ بعض عشان يروحوا، وسهمها بيعلى ويعلى وبعدين هوب الناس تزهق ويا تدور على ملاهي جديدة يا تدور على نشاط جديد أصلًا بعيدًا عن النوع ده من الألعاب، حصلت ولسه بتحصل، وكل ملاهي بييجي عليها الدور وبتتطفي مهما صمدت. وده معناه إن مش بس بيت الرعب مسكون، ده بقى مسكون ومهجور ومعششة جواه بيوت العناكب، ومع ذلك الملاهي مقفلتش، “هيثم” كان بيعتز بيها جدًا وبشكل ما ارتبط بالحادثة وضحاياها وكان شايف إنه لو قفل اللعبة أو الملاهي هو كده بيدفن ذكراهم، زي ما قلتلكم هو كان إنسان عاطفي، ده غير إن الملاهي كانت فتحة خير عليه…
وفات على الأربع سنين تلاتة كمان. خلال السنين دي كلها كان في شاب مراهق، كبر، مش على مدار السبع السنين، ده كبر ف يوم واحد… يوم معين صحي فيه الصبح وعمل نفس الروتين الصباحي بتاعه، شرب الشاي بلبن المتين وأخد الدش بتاعه وسرح شعره التسريحة المعتادة وبعدين لبس هدومه ونزل وراح للمكان اللي كان متفق مع أصحابه يتقابلوا فيه وبعدين اتوجهوا مع بعض للملاهي…
لعبوا كل اللعب تقريبًا مرة واتنين وأكلوا واتمشوا واتكلموا وبعدين قرروا يروحوا “بيت الرعب”. “صالح” قطع معاهم تذكرة ووقف وياهم في الطابور الضخم وجه عليهم الدور أخيرًا، مخدش باله قبل كده إن في واحد منهم هيقعد لوحده أو جنب حد غريب أو خد باله وتخيل إنه مش هيبقى الشخص ده، لكنه اتفاجأ إن الأربعة ركبوا ، كل اتنين جنب بعض وهو كان هيركب جنب واحد ميعرفوش فغير رأيه وقال لهم إنه ممكن يركب الدور الجاي أو يروحوا لعبة تانية لإنه مش هيحس بالمتعة لو راكب جنب حد غيرهم وخرج بره الصف. “صالح” كان عنده ساعتها 15 سنة وبعد ما شاف العربيات المحروقة خارجة مع نفسها كإنها عربيات أشباح وشاف اللهيب المرعب المتصاعد ومشافش أصحابه بيخرجوا زي بقية الخلق كبر فجأة، بقى عنده ييجي 95 سنة…
“صالح” اللي دخل الملاهي الصبح مخرجش منها، اللي خرج واحد تاني، شخص مجوف، تايه، مش متزن، دماغه مزحومة بأفكار ومشاهد كلها متعلقة بالحادثة وكل يوم بيتخيل إنه دخل معاهم وعاش اللي عاشوه وفضل جوه اللعبة واتحول لمجسم محروق…
السنين مخففتش الألم ولا الذكرى… لسه فاكر كل التفاصيل، لسه بيشوف المشهد متجسد قدامه، كل يوم، كل يوم…
سنة 1997 حصلت حادثة هزت الرأي العام وخلت “صالح” اللي بقى عنده 22 سنة يحل شوية من الألغاز بتاعة بيت الرعب…
الشرطة قبضوا على مجموعة شباب في بدروم قصر البارون اللي المفروض كان مقفول وقتها، الشباب دول طلعوا كانوا بيترددوا على القصر بقالهم وقت، بيتسللوا بليل وبيعملوا حفلات صاخبة كطقس شيطاني، بيرقصوا على موسيقى “البلاك ميتال” والله أعلم إيه تاني كان بيحصل في الحفلات، مفيش تفاصيل متاحة كتير.. المهم إن القضية اتعرفت باسم “عبدة الشيطان”..
لما “صالح” قرا وتابع الأخبار ربط ما بين القضية دي وقضية تانية مش محلولة، قضية “بيت الرعب”، بقى عنده يقين إن عبدة الشيطان هم المسؤولين عن حريق اللعبة وموت صحابه، وده كمان لإنه بحث في أزياء ورموز عبدة الشيطان واكتشف إنها نفس الأزياء والرموز بتوع الشباب الغامضين اللي اتفرجوا على الحريقة من مسافة وحركتهم وتصرفاتهم كانت غريبة. الحريقة كانت طقس من الطقوس الشيطانية والغرض منها تقديم قرابين، تضحيات بشرية…
“صالح” كان عنده صاحب بيشتغل ظابط. طلب منه يلاقيله عنوان واحدة ست. مكنش عارف إسمها بس كان عارف حادثة مشهورة مرتبطة بيها، وبالبيانات اللي إداها لصاحبه قدروا يوصلوا لعنوانها…
أول ما فتحت الباب افتكرها على طول، الوش ده كإنه لسه شايفه امبارح…
دي الست اللي أسرتها كلها راحت في الحريق، جوزها وولادها الاتنين!
طبعًا كانت مستغربة الزائر المجهول اللي واقف على عتبة باب بيتها لحد ما عرفها بنفسه وساعتها استغربت أكتر….
سمحتله يدخل من غير ما تعلق…
“مي” زيها زي “صالح” وشها كان كئيب، ملامح مكتسبة بسبب البشاعات اللي عاشوها والخساير اللي خسروها..
من غير مقدمات سألته عن سبب الزيارة. قال لها إن أخيرًا في فرصة يقدروا يحلوا لغز قتل الضحايا، ويمكن كمان يعاقبوا الجناة. وراها قصاصيص من جرايد عن موضوع قصر البارون وعبدة الشيطان وحكالها عن الزوار غريبي الأطوار اللي كانوا موجودين في الملاهي وأزيائهم اللي طلعت أزياء عبدة الشيطان وبافوميت..
“مي” معلقتش، قامت ومشيت!
غابت شوية وبعدين رجعت. حطت قدام “صالح” صورة…
الصورة كان فيها اتنين، ابنها الكبير اللي كان عنده 8 سنين وقت الواقعة وجنبه واحد لابس روب وعلى راسه القناع القماش المدبب.. قالتله إن يوم الواقعة، في وقت ما في النهار هي وجوزها اتفاجئوا بإن شاب لابس زي غريب بيقرب عليهم وبيطلب إنه يتصور مع الولد.. المفروض واللي يبان إن الراجل ده عامل في الملاهي، وبيقدم مع ناس تانية عرض مثلًا، أو بيتجول بزي معين بناء على تعليمات من إدارة الملاهي، زي الشخصيات اللي بتبقى ف ديزني لاند كده. لكنها مكنتش مرتاحة برغم إنها لبت رغبته وصورتهم. قلبها كان مقبوض وحست إن في حاجة مش مريحة أبدًا في الراجل ده، لكن الواضح إن الباقي مشاركهاش نفس الإحساس، لا جوزها ولا ولادها كانوا قلقانين..
لكن بعد اللي سمعته من “صالح” اتأكدت إن الراجل اللي أتصور كان غرضه خبيث، كان بيحتفل باللي جاي، بتقديمه لإبنها وباقي الناس اللي دخلوا بيت الرعب قرابين..
“صالح” قبل ما يمشي قال لها إن غرضه من الزيارة يطمن قلبها عشان حق ولادها وجوزها هيرجع…
في نفس الأيام انتشر خبر عن قفل الملاهي قريب، “هيثم” في النهاية مقدرش يصمد قدام أمواج التغييرات، مبقاش قادر يتحمل المصاريف اللي بتروح هدر على الملاهي..
“صالح” عمل زيارة ل”هيثم” عشان يقنعه يفضل فاتح الملاهي لحد ما ينجح ف دعوة أشخاص معينين، اللعبة كان لازم تتلعب مرة أخيرة.
في البداية “صالح” عرف عن نفسه وحكى لهيثم كل اللي عرفه، لكن “هيثم” مكنش فاهم إزاي هيقدروا يعملوا الدعوة لناس ميعرفوهمش، لحد وقتها كل اللي عرفوه إن دول طائفة دنيئة قدمت أرواح بريئة لهدف خبيث شرير، مين بقى ال12 شخص دول بالظبط الله أعلم…
عشان كده “صالح” قال ل”هيثم” على فكرة معينة. قال له يعمل إعلان في الجرنال، يكتب فيه “بيت الرعب” ينتظركم للعبة أخيرة، لنتحرر من جميع القيود، لنبدل جلودنا ونقدم تضحية أخيرة”، وتحتها صورة فيها ناس لابسة الأزياء إياها، نفس الأرواب اللي اتلبست يوم الحريق.. “صالح” كان متأكد إن الفاعلين الأصلين هيستجيبوا وهم بس اللي هيحضروا عشان هم بس اللي هيفهموا.
-يفهموا إيه بقى؟
=يفهموا يا…
-“لاميس”..
=يفهموا يا “لاميس” إن صاحب الملاهي انضم للطائفة بتاعتهم وعرف بطريقة ما اللي عملوه وبيحتفل بيهم وبالذكرى إياها وبيدعوهم عشان حفلة أخيرة في نفس المكان اللي اتعمل فيه الحريق أو الطقس القديم قبل ما الملاهي تتقفل.
-وإيه اللي كان ف دماغ “صالح”؟ إيه اللي هيحصل يعني لما يدخلوا “بيت الرعب”؟
=أنتوا نسيتوا ولا إيه؟ أنا مش قلت إن بيت الرعب بقى مسكون من ساعة ما اترمم؟ “صالح” كان عنده يقين إن الكيانات اللي بتسكن بيت الرعب هتميز الزوار وهتعمل معاهم الواجب وإن في كيان تاني هينضم ليهم، كيان أبشع منهم، الكيان اللي بيقدسوه، بدخولهم بوابة الجحيم هيستدعوه وهيحتفل بيهم…
-بس دي مجازفة، كل دي افتراضات بس في دماغه.
=أوقات يا “لاميس” برغم عدم وجود حاجات ملموسة بنبقى متأكدين من اللي بنشوفه وبنسمعه جوانا، نسميها بقى حاسة سادسة أو قوى للعقل مكبوتة بتخرج وقت اللزوم، أيًا كان، اللي أقدر أقوله إن “صالح” كان متأكد إن اللعبة بتاعتهم مكنتش هتبقى زي أي لعبة تانية…
واللي توقعه لاقاه، ال12 جم في اليوم والمعاد اللي اتحددلهم وفي حد تاني وصل للملاهي، هو نفسه..
“صالح” قرر إنه يدخل معاهم اللعبة ويحضر كل اللي هيحصل..
شاف وشوشهم، من غير أقنعة يتداروا وراها، من غير أزياء وتزييف، وفي الواقع وشوشهم كانت مرعبة ومقززة أكتر من الأقنعة، عليها غضب ربنا وانحراف تصرفاتهم وانعدام إنسانيتهم، أعمارهم كانت ما بين العشرينات والتلاتينات.. 12 شيطان بيقدسوا شيطان، 12 واحد ييروحوا لقدرهم برجليهم….
الملفت إن صوتهم كان عالي أوي ومنفر زي سرب من الغربان، سبحان الله مفيش حاجة فيهم إنسانية أبدًا، كإنهم حرفيًا اتحولوا لشياطين..
شريط مدخل اللعبة اتفتح الساعة 8 وتلت بالظبط…
“صالح” كان لوحده بما إنه الشخص ال13، محدش كان قاعد جنبه في العربية…وكان في الصف الأخير.
وبدأ العرض….
أول كام ثانية لأمن كان مستتب، مفيش حاجة غريبة عن المعتاد وبعدين النور قطع….الدنيا بقت عتمة، اللمض الخفيفة اتطفت كلها مرة واحدة وبعدين ظهرت أضواء… مكنتش اللمض، كان لهيب، 3 أشخاص قاموا من مقاعدهم وبقوا يجروا بهيستريا في اللعبة، أجسامهم بتولع، بيتحرقوا!
هم بس، مكنش في مصدر للنار ولا حاجة تانية بتتحرق…. ال9 الباقيين بقوا يصرخوا، وفي منهم اللي قاموا وحاولوا يخرجوا لكن باب المخرج وباب الطوارئ اتقفلوا لوحدهم ومحدش قدر يفتحهم..
اللمض الخفيفة رجعت نورت، وبعد لحظات “صالح” مع الباقيين شافوا 4 بيترفعوا عن الأرض، وبيتشقوا نصين! دمهم طرطش في المساحات حواليهم والصريخ علي أكتر…
كده اتبقوا 5 . اللي حصل بعدها إن فجأة بقى في أصوات لخطوات خفية، ناس بتجري ف كل مكان، والخطوات كانت أكتر من مجرد أصوات، صحيح مكنتش مرئية لكن محسوسة، 3 إتداسوا بسبب الزحمة والتدافع..
-زحمة وتدافع؟
=اه يا “نيروز”، التدافع بتاع الكيانات الخفية، نفس التدافع اللي كان موجود يوم الواقعة الأصلية.. أما الاتنين المتبقيين بقى فالمباحث لقوا على جثثهم آثار كدمات وضرب مبرح، اتضربوا للموت… مش هم كانوا عايزين حفلة وطقس تقديم ضحايا ل”بافوميت”؟ أهم لقوا اللي هم عايزينه، وهم كانوا القرابين… “صالح” قال إن قبل ما الأبواب تتفتح شاف وش بشع، كيان براس معزة، مش قناع، راس حقيقية، ظهر لجزء من الثانية وضحك ضحكة مكتومة وبعدين اختفى…
-القصة دي رهيبة، كل تفصيلة فيها، مش عارفة أحدد إذا كنت حبيتها ولا لأ، مرعبة بس فيها عدل، العدل اتحقق في النهاية.
=العدل، هو ده يا “لاميس”. إيه رأيكم في قصة “صالح”؟
-مش فاهمين.
=القصة اللي قالها بتاعة الحفلة الأخيرة، واللي حصل جوه اللعبة و”بافوميت” اللي ظهر والناس اللي اتحرقت بشكل تلقائي واللي اتقسموا نصين واللي اتداسوا؟… أقولكم أنا رأيي.. رأيي إن العدالة اتحققت سواء القاتل كان كيانات انتقامية وشيطان أو بني آدمين. إحنا منعرفش بالظبط إيه الكلام اللي دار ما بين “صالح” و”هيثم” في اتفاقهم. منعرفش تفاصيل الاتفاق، كل اللي نعرفه إن الاتنين هدفهم كان واحد، العدالة كان لازم تاخد مجراها ولعبة الموت كان لازم تبقى ساحة المحاكمة ودي أجمل خاتمة للملاهي قبل ما تتقفل للأبد… القصة دي خلصت أشوفكم الحصة اللي جايه…
“تمت”